في عالم العلم حيث يتسارع الزمن وتتسارع الاكتشافات، يبرز اسم أحمد زويل كرمز للإبداع المصري الذي تجاوز الحدود الجغرافية ليصل إلى قمة الإنجازات العالمية. هذا العالم المصري، الذي ولد في أرض النيل وترعرع في أحضانها، استطاع أن "يوقف الزمن" من خلال دراساته الرائدة في مجال الفيمتو ثانية، تلك الوحدة الزمنية البالغة الصغر (جزء من مليون مليار جزء من الثانية)، مما أتاح له مراقبة التفاعلات الكيميائية في أدق تفاصيلها. فاز زويل بجائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، ليصبح أول عربي يحصل على هذه الجائزة في مجال العلوم، ويؤسس مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا كإرث يدعم التعليم العلمي في مصر.
في هذا المقال، سنستعرض سيرة حياة أحمد زويل، إنجازاته، الصعوبات التي واجهها، وإسهاماته البارزة، مع الإجابة على أسئلة شائعة مثل: ما الذي اخترعه؟ ما هي أسباب فوزه بنوبل؟ وهل تم اغتياله؟ سنركز على الجانب العلمي والسيرة الذاتية، لنرسم صورة كاملة لهذا العالم الاستثنائي.
طفولة أحمد زويل: بدايات في أرض النيل
ولد أحمد حسن زويل في 26 فبراير 1946 في مدينة دمنهور، المعروفة بـ"مدينة حورس"، شمال مصر، على بعد حوالي 60 كيلومتراً من الإسكندرية. نشأ في مدينة دسوق، حيث كان والده يعمل ميكانيكياً للدراجات والسيارات قبل أن يصبح موظفاً حكومياً، أما والدته فكانت ربة منزل تهتم بتربية الأسرة الصغيرة. منذ طفولته، أظهر زويل شغفاً بالعلم، مستوحى من الكتب والتجارب البسيطة في المنزل. كان يقضي أوقاتاً طويلة في قراءة عن العلماء مثل أينشتاين ونيوتن، ويحلم بأن يصبح عالماً يغير العالم. تلقى تعليمه الأساسي في مدارس حكومية في دسوق، حيث برزت مواهبه في الرياضيات والعلوم، مما دفع والديه إلى دعمه رغم الظروف الاقتصادية المتواضعة.
انتقل زويل إلى الإسكندرية للدراسة الجامعية في جامعة الإسكندرية، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الكيمياء عام 1967، ثم الماجستير عام 1969. عمل لمدة عامين كمدرس في الجامعة نفسها، مما أعطاه فرصة لتعميق معرفته. كانت هذه الفترة حاسمة في تشكيل شخصيته العلمية، حيث تعرض لأفكار علمية متقدمة وتعلم أهمية البحث التجريبي. رغم التحديات السياسية والاقتصادية في مصر آنذاك، مثل فترة الستينيات تحت حكم عبد الناصر، استمر زويل في مطاردة حلمه، متوجهاً إلى الولايات المتحدة للحصول على الدكتوراه.
شاهد المزيد: رحلة نجيب محفوظ: الأديب الذي أوصل الحارة المصرية إلى جائزة نوبل
المسيرة العلمية والإنجازات البارزة
بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا عام 1974 في مجال الطيفية الضوئية، أكمل زويل دراسات ما بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا بيركلي. انضم إلى هيئة التدريس في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتيك) عام 1976، حيث أصبح أستاذاً كاملاً عام 1982. هناك، بدأ رحلته في تطوير مجال الفيمتوكيمياء، الذي يُعتبر أبرز إنجازاته. الفيمتو ثانية هي وحدة زمنية قصيرة جداً، تمكن العلماء من مراقبة حركة الذرات أثناء التفاعلات الكيميائية، كأنهم يشاهدون فيلماً بطيئاً لعمليات كانت تبدو فورية سابقاً.
من أبرز إنجازات زويل هو تطوير تقنيات الليزر لإنتاج نبضات ضوئية قصيرة، مما سمح بدراسة حالات الانتقال في التفاعلات الكيميائية. هذا الإنجاز أدى إلى فوزه بجائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، حيث أشادت لجنة نوبل بأنه "فتح باباً جديداً لفهم الآليات الكيميائية على المستوى الذري". كما طور ميكروسكوباً إلكترونياً رباعي الأبعاد (4D)، يجمع بين التصوير المكاني والزمني، مما أحدث ثورة في دراسة الديناميكيات الجزيئية.
نشر زويل أكثر من 600 بحث علمي و14 كتاباً، بما في ذلك "رحلة عبر الزمن: مسيرة حياة نحو جائزة نوبل"، الذي يروي سيرته الذاتية، و"البيولوجيا الفيزيائية: من الذرات إلى الطب". إسهاماته امتدت إلى مجالات مثل النانوتكنولوجيا والطاقة، مما جعله يحصل على جوائز أخرى مثل ميدالية فرانكلين وبنيامين فرانكلين.
ما الذي اخترعه أحمد زويل؟ وما هي أهم أعماله؟
لم يكن زويل مخترعاً تقليدياً يبتكر أجهزة يومية، بل كان مبتكراً لطرق علمية. اخترع تقنية الفيمتوكيمياء، التي تُعتبر "اختراعاً" في سياق العلم، حيث سمحت برؤية التفاعلات الكيميائية في الزمن البالغ الصغر. أهم أعماله تشمل دراساته على حالات الانتقال الجزيئي، وتطوير التصوير الزمني للذرات، بالإضافة إلى كتبه التي جمعت بين العلم والفلسفة، مثل "تأملات في الشؤون العالمية: السلام والسياسة". هذه الأعمال لم تقتصر على الكيمياء بل امتدت إلى البيولوجيا والفيزياء.
الصعوبات التي واجهها أحمد زويل
واجه زويل صعوبات عديدة، بدءاً من التكيف مع الثقافة الأمريكية واللغة الإنجليزية عند وصوله إلى الولايات المتحدة، حيث كان يتحدث الإنجليزية بصعوبة ويجد صعوبة في فهم اللهجات. علمياً، واجه تحديات فنية في توليد نبضات إلكترونية قصيرة دون تدميرها بسبب تأثيرات الشحنة الفضائية. سياسياً، حاول المشاركة في الشأن المصري بعد ثورة 2011، لكنه منع من الترشح للرئاسة بسبب قانون يمنع مزدوجي الجنسية، مما أثار إحباطه. كما واجه صعوبات في شرح أفكاره العلمية لزملائه في البداية.
أسباب فوز أحمد زويل بجائزة نوبل
فاز زويل بنوبل لأنه طور طرقاً لدراسة حالات الانتقال في التفاعلات الكيميائية باستخدام طيفية الفيمتو ثانية، مما غير فهمنا للكيمياء الأساسية. كانت أبحاثه في الثمانينيات رائدة، حيث استخدم ليزراً لإنتاج نبضات قصيرة، مما سمح برؤية الروابط الكيميائية تتشكل وتنكسر في الزمن الحقيقي. هذا الإنجاز حل لغزاً قديماً في الكيمياء، وفتح أبواباً لتطبيقات في الطب والطاقة.
مدينة زويل للعلوم: إرث خالد
أسس زويل مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا في مصر عام 2011، كمؤسسة غير ربحية تركز على التعليم العالي والبحث في مجالات مثل النانوتكنولوجيا والطاقة المتجددة. تقع في مدينة 6 أكتوبر، وتضم كليات في العلوم الهندسية والبيئية، وتهدف إلى سد الفجوة بين التعليم المصري والعالمي. اليوم، تواصل المدينة إنتاج الباحثين، محققة حلم زويل في رفع مستوى العلم في الوطن العربي.
تاريخ ومكان الوفاة: هل تم اغتيال أحمد زويل؟
توفي أحمد زويل في 2 أغسطس 2016 في كاليفورنيا، الولايات المتحدة، عن عمر يناهز 70 عاماً، بسبب مرض السرطان الذي عانى منه لسنوات. لم يكن هناك دليل على اغتيال، رغم انتشار شائعات في بعض الوسائط المصرية تربط وفاته بمؤامرات سياسية بسبب آرائه النقدية للنظام. التقارير الرسمية تؤكد أن الوفاة طبيعية، ولم تظهر أي تحقيقات تدعم الشائعات.
خاتمة: إرث يتجاوز الزمن
أحمد زويل لم يكن مجرد عالم، بل كان جسراً بين الشرق والغرب، يجمع بين التراث المصري والابتكار العالمي. إنجازاته في الفيمتو ثانية وجائزة نوبل ألهمت أجيالاً، بينما مدينة زويل تضمن استمرارية إرثه. رغم الصعوبات، بقي ملتزماً بقيم العلم والسلام. في عالم يتغير بسرعة، يظل زويل شاهداً على أن الإصرار يمكن أن يوقف الزمن ويغير التاريخ.
شاهد المزيد: قصة "السير" مجدي يعقوب: جراح القلوب الذي أصبح أيقونة الأمل في مصر