محمد علي باشا.. القصة الكاملة لمؤسس مصر الحديثة الذي غير وجه البلاد

محمد علي باشا، الرجل الذي يُوصف بـ"مؤسس مصر الحديثة"، هو واحد من أبرز الشخصيات في التاريخ المصري والعثماني. وُلد في مدينة قَوَلَة الصغيرة عام 1769، وتحول من جندي ألباني متواضع إلى حاكم طموح أعاد تشكيل مصر سياسيًا، اقتصاديًا، وعسكريًا. قصته مليئة بالإنجازات الضخمة والجدل، حيث مزج بين الدهاء السياسي والقسوة في فرض سلطته. من مذبحة القلعة الشهيرة إلى إصلاحاته الشاملة، ترك محمد علي بصمة لا تُمحى في تاريخ مصر. في هذا المقال، سنستعرض حياته، أصوله، إنجازاته، الجرائم التي نُسبت إليه، وكيف انتهت رحلته، مع الإجابة على الأسئلة الشائعة حول جنسيته، ديانته، ومن هزمه.

نشأة محمد علي باشا وأصوله

وُلد محمد علي باشا في مدينة قَوَلَة (كافالا حاليًا) في مقدونيا، التابعة آنذاك للإمبراطورية العثمانية. كان والده، إبراهيم آغا، رئيسًا للحرس في بلدته، وقيل إنه كان تاجر تبغ. أما أصوله، فهي محل جدل بين المؤرخين. يُعتقد أن عائلته من أصل ألباني، لكن بعض المصادر تشير إلى أصول تركية أو يونانية محتملة. فقد والديه في سن مبكرة، فكفله عمه طوسون، ثم حاكم قَوَلَة وصديق والده، الشوربجي إسماعيل، الذي أدخله سلك الجندية. هناك، أظهر محمد علي شجاعة ومهارة قيادية، مما مهد الطريق لصعوده.

تزوج من أمينة هانم، امرأة غنية ساعدته في بناء ثروته ونفوذه، وأنجب منها أبناءه إبراهيم، طوسون، وإسماعيل، وابنتين. في عام 1801، انضم إلى الحملة العثمانية لاستعادة مصر من الاحتلال الفرنسي، وكان نائبًا لرئيس الكتيبة الألبانية. بعد انسحاب الفرنسيين، استغل الفوضى السياسية في مصر ليصعد إلى منصب الوالي عام 1805 بمساندة العلماء والأعيان، مثل عمر مكرم والشيخ الشرقاوي.

صعود محمد علي إلى السلطة

بعد خروج الفرنسيين، كانت مصر تعاني من صراعات بين المماليك، العثمانيين، والقوى الشعبية. استغل محمد علي باشا هذه الفوضى بذكاء، متجنبًا الصدام المباشر مع خصومه في البداية. عندما ثار المصريون على الوالي العثماني خورشيد باشا بسبب الضرائب والظلم، تحالف محمد علي مع الأعيان والعلماء، مما أكسبه تأييد الشعب. في يوليو 1805، أصدر السلطان العثماني فرمانًا بتعيينه واليًا على مصر بعد ضغط شعبي وعلمائي.

لكن سلطته لم تكن مستقرة بسبب نفوذ المماليك، الذين كانوا يشكلون تهديدًا دائمًا. هنا يأتي دور مذبحة القلعة، الحدث الذي عزز حكمه ولكنه أثار جدلاً واسعًا.

شاهد المزيد: أحمد زويل.. العالم المصري الذي أوقف الزمن وفاز بجائزة نوبل

مذبحة القلعة: نقطة تحول مثيرة للجدل

في مارس 1811، دبر محمد علي باشا واحدة من أكثر الأحداث دموية في تاريخه، وهي مذبحة القلعة. بحجة الاحتفال بتولي ابنه طوسون قيادة حملة عسكرية إلى الحجاز، دعا زعماء المماليك إلى القلعة في القاهرة. حضر حوالي 470 مملوكًا بملابسهم الفاخرة، لكن ما إن دخلوا الساحة حتى أغلقت البوابات وأُطلقت النار عليهم من الأسوار. أنهت هذه المذبحة نفوذ المماليك في مصر، حيث قُتل معظمهم، وطارد إبراهيم باشا الفارين إلى الصعيد لاحقًا.

اعتبر البعض هذه الخطوة ضرورية لتوحيد السلطة وإنهاء الفوضى، بينما وصفها آخرون، مثل المؤرخ عبد الرحمن الرافعي، بأنها "نقطة سيئة" في تاريخ محمد علي، متهمين إياه بالغدر والقسوة. حتى زوجته أمينة هانم أصيبت بالصدمة وامتنعت عنه بعد هذا الحدث. تُعد مذبحة القلعة الجريمة الأبرز المنسوبة إليه، حيث أثارت انتقادات المؤرخين الغربيين والمحليين لما اعتُبر انتهاكًا للإنسانية.

إنجازات محمد علي باشا: بناء مصر الحديثة

على الرغم من الجدل حول أساليبه، لا يمكن إنكار إنجازات محمد علي باشا التي جعلت منه مؤسس مصر الحديثة. ركز على تحديث مصر عبر إصلاحات شاملة شملت:

  1. الجيش والقوة العسكرية: أسس جيشًا نظاميًا حديثًا بمساعدة خبراء فرنسيين، مثل سليمان باشا (ساف الفرنسي). بدأ بتجنيد الفلاحين المصريين بعد فشل تجنيد السودانيين، وأنشأ مدارس حربية في أسوان لتدريب الضباط. كما بنى أسطولًا بحريًا قويًا، مما جعل مصر قوة إقليمية.
  2. التعليم: أدرك أهمية التعليم في بناء دولة حديثة، فأسس مدارس عليا متخصصة في الهندسة، الطب، الصيدلة، والألسن. أرسل بعثات طلابية إلى أوروبا لنقل المعرفة، مما ساهم في إعداد كوادر متعلمة.
  3. الصناعة والاقتصاد: أدخل الصناعات التحويلية والحربية، مثل مصانع النسيج والأسلحة. كما طور الزراعة عبر مشاريع ري، مثل القناطر الخيرية، وألغى نظام الإقطاع، معززًا الاقتصاد الوطني.
  4. البنية التحتية: أنشأ شبكة قنوات ري، وطور البنية التحتية في المدن، مثل القاهرة والإسكندرية. بنى جامع محمد علي في قلعة صلاح الدين، الذي أصبح رمزًا لحكمه.
  5. التوسع الإقليمي: وسّع نفوذ مصر ليشمل السودان، الحجاز، الشام، وكريت. قاد ابنه إبراهيم باشا حملات ناجحة، مثل معركة نزيب (1839)، حيث هزم الجيش العثماني، مما هدد أركان الإمبراطورية.

هذه الإصلاحات جعلت مصر دولة مركزية قوية، لكنها لم تخلُ من الانتقادات، حيث رأى البعض أنها خدمت طموحاته التوسعية أكثر من مصلحة الشعب.

الجرائم المنسوبة إلى محمد علي باشا

إلى جانب مذبحة القلعة، واجه محمد علي باشا اتهامات بارتكاب أعمال قاسية، منها:

  • القضاء على الزعامات الشعبية: بعد صعوده، نفى عمر مكرم، نقيب الأشراف، الذي دعمه في البداية، للقضاء على أي نفوذ شعبي قد يهدد سلطته.
  • التجنيد القسري: فرض تجنيدًا إجباريًا على الفلاحين المصريين، مما تسبب في معاناة اجتماعية واقتصادية، حيث كان يُنظر إلى المصريين كأداة لتحقيق أهدافه العسكرية.
  • الضرائب الباهظة: فرض ضرائب ثقيلة لتمويل مشاريعه وحروبه، مما أثقل كاهل الفلاحين.

يرى البعض، مثل خالد فهمي في كتابه "كل رجال الباشا"، أن محمد علي استخدم المصريين كأدوات لتحقيق طموحاته، مما أثار مقاومة شعبية في بعض الأحيان.

كيف مات محمد علي باشا؟

في أواخر حياته، تدهورت صحة محمد علي باشا، حيث أصيب بالخرف وفقدان القدرة على إدارة الحكم. في 1848، تنازل عن الحكم لابنه إبراهيم باشا، لكن الأخير توفي بعد ستة أشهر فقط في نوفمبر 1848. لم يُبلغ محمد علي بوفاة ابنه بسبب حالته الصحية. توفي محمد علي في قصر رأس التين بالإسكندرية في 2 أغسطس 1849، الموافق 13 رمضان 1265هـ، عن عمر 80 عامًا. نُقل جثمانه إلى القاهرة ودُفن في جامع محمد علي بقلعة صلاح الدين. جنازته كانت متواضعة، ربما بسبب خلافات مع حفيده عباس حلمي، الذي لم يُظهر احترامًا كافيًا لذكراه.

من هزم محمد علي باشا؟

لم يُهزم محمد علي باشا عسكريًا بشكل مباشر، لكنه اضطر للتنازل عن طموحاته التوسعية بسبب تدخل القوى الأوروبية. في 1840، بعد انتصاراته في الشام ومعركة نزيب، تدخلت بريطانيا وفرنسا والنمسا وروسيا في اتفاقية لندن، مطالبين بانسحابه من الشام وكريت مقابل بقائه واليًا على مصر والسودان وراثيًا. استسلم لضغوط أوروبا خوفًا من مواجهة عسكرية مباشرة، مما يُعتبر هزيمة سياسية وليست عسكرية.

من هو محمد علي باشا وما جنسيته؟

محمد علي باشا هو والي مصر من 1805 إلى 1848 ومؤسس الأسرة العلوية. جنسيته عثمانية، حيث وُلد في مدينة قَوَلَة التابعة للإمبراطورية العثمانية. كان قائدًا ألبانيًا في الجيش العثماني، لكن أصوله العرقية ألبانية.

ما هو أصل محمد علي باشا؟

أصوله ألبانية، وُلد لعائلة في قَوَلَة. والده إبراهيم آغا كان رئيس حرس أو تاجر تبغ. هناك آراء تشير إلى أصول تركية أو يونانية، لكن الأصل الألباني هو الأكثر شيوعًا.

من الذي هزم محمد علي باشا؟

لم يُهزم عسكريًا، لكن القوى الأوروبية فرضت عليه التراجع عن الشام وكريت عبر اتفاقية لندن 1840، مما يُعتبر هزيمة سياسية.

ما هي ديانة محمد علي باشا؟

كان محمد علي باشا مسلمًا سنيًا، كونه جزءًا من الإمبراطورية العثمانية التي كانت الإسلام السني ديانتها الرسمية. لا توجد مصادر موثقة تشير إلى غير ذلك.

خاتمة

محمد علي باشا شخصية معقدة تجمع بين العبقرية السياسية والقسوة في فرض السلطة. من خلال إصلاحاته الشاملة، حول مصر إلى دولة حديثة، لكنه دفع ثمن طموحاته بصراعات داخلية وخارجية. مذبحة القلعة تظل وصمة في تاريخه، لكن إنجازاته في التعليم، الصناعة، والجيش جعلته رمزًا للنهضة. وفاته عام 1849 أنهت حياة رجل غير وجه مصر، ليبقى إرثه مثار نقاش بين المؤيدين الذين يرونه بطلًا قوميًا، والناقدين الذين يرون فيه حاكمًا طموحًا استخدم مصر لتحقيق أهدافه. يظل محمد علي رمزًا للتحول والجدل في تاريخ مصر الحديث.

شاهد المزيد: قصة "السير" مجدي يعقوب: جراح القلوب الذي أصبح أيقونة الأمل في مصر

سماح أشرف
بواسطة : سماح أشرف
سماح أشرف كاتبة محتوى محترفة، متخصصة في مراجعات الأجهزة المنزلية والهواتف الذكية، بالإضافة إلى تحرير المواضيع العامة والمحتوى التسويقي. بدأت مسيرتها في مواقع بارزة مثل عرب نيوز وشباب الرياض، وتواصل حاليًا تقديم محتوى مميز عبر منصات متخصصة مثل تكييف برايس وساعة شوب وغيرها. تتميز سماح بأسلوبها الواضح والدقيق، وتهدف دائمًا إلى تقديم محتوى موثوق يُسهم في تثقيف القارئ ومساعدته على اتخاذ قرارات شراء ذكية.
تعليقات