في عالم الدعوة الإسلامية، تظل بعض الشخصيات محفورة في الذاكرة الجماعية للأمة، ومن أبرزها الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي لقب بـ"إمام الدعاة". رغم مرور أكثر من ربع قرن على وفاته، يظل الشيخ الشعراوي مصدر إلهام لملايين المصريين والعرب، حيث يُشار إليه كرمز للدعوة الإسلامية البسيطة والعميقة. ما السر وراء هذا الاستمرار؟ هل هو تفسير القرآن الذي أبدعه، أم خواطر الشعراوي التي أثرت في القلوب، أم أشهر فتاوى الشعراوي التي حلت قضايا عصرية بأسلوب يجمع بين العلم والحكمة؟ في هذا المقال، نستعرض سيرة الشيخ الشعراوي، إسهاماته، وإجابات على أسئلة شائعة حوله، لنفهم لماذا يبقى اسمه خالداً في قلوب المصريين حتى اليوم.
ولد الشيخ محمد متولي الشعراوي في 15 أبريل 1911 في قرية دقادوس بمحافظة الدقهلية في مصر، ونشأ في أسرة متواضعة، حيث حفظ القرآن الكريم في سن الحادية عشرة. دخل الأزهر الشريف عام 1916، وتخرج من كلية اللغة العربية عام 1937، ثم حصل على العالمية عام 1943. كان الشيخ الشعراوي شاعراً وكاتباً، وشارك في الحركات السياسية ضد الاستعمار، مما جعله يتعرض للاعتقال أكثر من مرة. شغل مناصب عديدة، بما في ذلك وزير الأوقاف المصري بين 1976 و1978، وكان سفيراً للدعوة الإسلامية في دول مثل السعودية والجزائر.
إسهامات الشيخ الشعراوي في الدعوة الإسلامية
يُعد تفسير القرآن للشيخ الشعراوي من أبرز إسهاماته، حيث قام بتفسير القرآن الكريم كاملاً في سلسلة تلفزيونية شهيرة بلغت 1050 حلقة. هذا التفسير يتميز بأسلوبه البسيط الذي يجمع بين اللغة العربية الفصحى والعامية، مما جعله قابلاً للفهم لدى العامة والخاصة. على سبيل المثال، في تفسيره لسورة البقرة، يشرح الشيخ الشعراوي معاني الآيات بطريقة تجعلها تتعلق بحياة الناس اليومية، مثل شرح "القلب السليم" كقلب يخلو من الشك والكفر. هذا التفسير متوفر اليوم في كتب وفيديوهات على يوتيوب، حيث يمكن الوصول إلى جميع فيديوهات الشيخ الشعراوي عبر قناته الرسمية على المنصة، التي تحتوي على مئات الحلقات المصورة.
من جانب آخر، تُعتبر خواطر الشعراوي جوهرة في الدعوة الإسلامية. خواطر الشيخ الشعراوي هي تأملات عميقة في آيات القرآن، مثل خواطره حول آية الكرسي، حيث يفسرها كدليل على عظمة الله ووحدانيته، أو خواطره عن "عجائب الكون ولغاته" التي تربط بين العلم والإيمان. هذه الخواطر، التي نشرت في كتب مثل "خواطر الشعراوي المجلد الأول"، أثرت في ملايين المستمعين، ولا تزال تُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل حسابات على إكس (تويتر) التي تشارك مقاطع فيديو قصيرة منها، مما يجعلها متاحة للجيل الجديد.
أما أشهر فتاوى الشيخ الشعراوي، فهي تكشف عن رؤيته المتوازنة للإسلام. على سبيل المثال، في فتواه عن الغناء والموسيقى، يرى أن الغناء الحلال هو الذي لا يثير الشهوات، بينما يحرم ما يؤدي إلى الفساد. كما أفتى بجواز عمل المرأة إذا لم يتعارض مع واجباتها الأسرية، وأكد على حرام الربا في الفوائد البنكية، قائلاً: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن". فتاواه عن الزواج والطلاق، مثل رفض زواج المتعة، جعلته مرجعاً للناس في قضاياهم اليومية. هذه الفتاوى متوفرة في كتب مثل "الفتاوى الكبرى" وفيديوهات على يوتيوب، حيث يمكن البحث عن "فتاوى الشعراوي" للعثور على سلسلة كاملة.
شاهد المزيد: رحلة نجيب محفوظ: الأديب الذي أوصل الحارة المصرية إلى جائزة نوبل
لماذا حبس الشيخ الشعراوي؟
الإجابة تكمن في نشاطه السياسي. في عام 1919، شارك في ثورة الأزهر ضد الاستعمار البريطاني، وفي عهد الملك فاروق، سُجن لمدة 30 يوماً بسبب قصيدة شعرية هاجم فيها الملك، حيث قاد مظاهرات تطالب بعزل شيخ الأزهر آنذاك. هذا السجن لم يكن الأخير، فقد تعرض للاعتقال مرات أخرى بسبب مواقفه الجريئة.
أما عن رأي العلماء في الشيخ الشعراوي، فهو متنوع. يمدحه الكثيرون كعالم بارز خدم الإسلام، مثلما يصفه موقع إسلام ويب كشخص استفاد من علمه رغم الاختلافات. ومع ذلك، ينتقده بعض العلماء السلفيين، مثل الشيخ الألباني الذي وصفه بـ"المنحرف" بسبب تأويلاته للآيات، خاصة في مسائل الصفات الإلهية كالعلو والاستواء، معتبراً أنه يؤولها على طريقة الأشاعرة. كذلك، يحذر الشيخ مصطفى العدوي والحويني من بعض أقواله، مثل إنكار عذاب القبر أو جواز طلب المدد من الأموات. رغم ذلك، يظل الشيخ الشعراوي محبوباً لدى الجمهور العريض.
كم عدد زوجات الشيخ الشعراوي؟،
لم يُحدد بوضوح في السير الذاتية، لكن المصادر تشير إلى أنه تزوج مرة واحدة، وله أبناء مثل عبد الرحيم الشعراوي الذي روى قصة وفاة والده.
كم سنة دخن الشعراوي؟
فقد اعترف الشيخ نفسه أنه دخن لمدة 50 عاماً، يستهلك خمس علب سجائر يومياً، ثم ترك التدخين وندم عليه، معتبراً إياه خطأً، ونصح المدخنين بالإقلاع عنه.
أما سبب وفاة الشيخ الشعراوي، فقد توفي في 17 يونيو 1998 عن عمر يناهز 87 عاماً، بعد مرض قصير. رفض الذهاب إلى المستشفى، وقضى أيامه الأخيرة في المنزل، حيث طلب من أسرته تهذيب شعره وأظافره، ثم انفرد بنفسه للعبادة. روى ابنه عبد الرحيم أنه استيقظوا على وفاته في الساعة السادسة صباحاً، وكأنه كان يعد نفسه للقاء ربه.
لماذا يظل الشيخ الشعراوي في القلوب؟
يظل الشيخ الشعراوي "إمام الدعاة" بسبب قدرته على جعل الدين سهلاً ومحبباً. في عصرنا الحالي، حيث يبحث الناس عن إجابات لقضايا مثل الطلاق، العمل، والعلاقات الاجتماعية، توفر فيديوهاته وكتبه إرشاداً. على إكس (تويتر)، تشارك حسابات مثل @Rf_563 خواطر الشعراوي يومياً، مما يجذب آلاف الإعجابات. كما أن قصصه الشخصية، مثل تركه التدخين أو مواقفه السياسية، تجعله إنساناً قابلاً للاقتداء.
الخاتمة
في النهاية، يظل الشيخ الشعراوي رمزاً للدعوة الإسلامية في مصر والعالم العربي، لأنه جمع بين العلم والحكمة والإنسانية. تفسيره للقرآن، خواطره، وفتاواه ليست مجرد كلمات، بل رسائل حياة تلهم الأجيال. رغم الاختلافات في آراء العلماء، يبقى تأثيره في قلوب المصريين دليلاً على صدق دعوته. رحمه الله وجعله في عليين، وجعلنا نستفيد من علمه حتى يوم الدين.
شاهد المزيد: محمد علي باشا.. القصة الكاملة لمؤسس مصر الحديثة الذي غير وجه البلاد